رمضان الأقصى- تكتيكات إسرائيلية جديدة ودور أمريكي متزايد وتحديات الفصح القادمة

المؤلف: د. عبد الله معروف11.05.2025
رمضان الأقصى- تكتيكات إسرائيلية جديدة ودور أمريكي متزايد وتحديات الفصح القادمة

مع انقضاء شهر رمضان المبارك، يبرز تساؤل جوهري يشغل بال كل من يهتم بقضايا المسجد الأقصى، ألا وهو: ما الأحداث التي جرت في رحاب المسجد الأقصى خلال شهر الصيام هذا العام؟

لقد اتسمت تدابير الاحتلال الإسرائيلي هذا العام ببعض الاختلافات عن الأعوام السابقة، وشهد شهر رمضان إجراءات جديدة ومغايرة لما اعتدنا عليه، أو ما كان متوقعًا من إسرائيل، وذلك في ضوء الأحداث الجارية في الحرب على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. هذه المستجدات ستلقي بظلالها على تحليل الأحداث المرتقبة بعد انتهاء الشهر الفضيل.

الجديد في الأمر، كما يبدو، هو دخول العامل الأميركي في معادلة العمل داخل المسجد الأقصى. فقد تواترت التقارير والمشاهدات من داخل المسجد عن دخول عناصر أمنية وسياسية أميركية غير معلنة أكثر من مرة قبل وخلال شهر رمضان. إلا أن أياً من هذه التقارير لم يوضح طبيعة هذه العناصر وأسباب وجودها وطريقة عملها على أرض الواقع. الأمر الذي يرجح أنها كانت جزءًا من الدعم الأميركي المطلق لحكومة نتنياهو، بهدف مساعدتها على إحكام السيطرة على الوضع في القدس في هذا الظرف الدقيق.

وإذا ما صحت التقارير التي تحدثت عن وجود هذه العناصر، فإنه يبدو أن الأميركيين كان لهم دور في مساندة حكومة نتنياهو لتجاوز شهر رمضان بأقل قدر ممكن من المواجهات والخسائر. وتؤكد صحة هذه التقارير استخدام وسائل غير مألوفة من قبل الإسرائيليين في المسجد الأقصى، مثل نشر قوات الاحتلال كاميرات تعتمد على الذكاء الاصطناعي للتعرف على وجوه المصلين مهما بلغ عددهم. وبناءً على ذلك، شنّت حملات اعتقالات واسعة بحق كل من تبين تورطه في الحراك الشعبي المقدسي، أو الوقفات الاحتجاجية داخل المسجد الأقصى، خاصة تلك التي نادت نصرة لقطاع غزة.

كما شهدنا اعتداء سلطات الاحتلال على الوقفات الاحتجاجية داخل المسجد الأقصى، ليس فقط بأفراد الشرطة والجنود، كما كان معتادًا طوال العقود الماضية، وإنما من خلال إلقاء القنابل الدخانية والمسيلة للدموع بواسطة طائرات مسيرة. وهذا تطور غير مسبوق يهدف على ما يبدو إلى منع التقاط أي صورة لجندي يقتحم المسجد الأقصى في ليالي العشر الأواخر من رمضان، منتهكًا حرمة المكان والشهر الفضيل، مما يزيد من الاحتقان العالمي ضد إسرائيل.

لا يمكن فهم هذه التغييرات في التكتيك الإسرائيلي بمعزل عن المساعدة الأميركية، وهو ما يذكرنا إلى حد كبير بأسلوب الحرب البرية في غزة، حيث اتبعت القوات الإسرائيلية الأسلوب الأميركي لا الإسرائيلي، حسبما يرى العديد من المحللين.

قبل وأثناء شهر رمضان، حاولت إسرائيل التعامل مع التحدي الكبير الذي يمثله هذا الشهر من خلال المزاوجة بين رغبات إيتمار بن غفير المتطرفة بتطبيق سياسة "صفر فلسطينيين" بالقمع المفرط، وتحذيرات الأجهزة الاستخباراتية والأمنية بضرورة تخفيف القبضة الأمنية على المدينة المقدسة، خشية انفجار الأوضاع وتمددها إلى الضفة الغربية.

ويبدو أن النصيحة الأميركية قد أثبتت جدواها في نهاية المطاف، حيث انتهجت حكومة نتنياهو سياسة العصا والجزرة؛ فأعلنت عن "السماح" للفلسطينيين من الضفة الغربية بالوصول إلى المسجد الأقصى، ولكن بشروط معقدة تتمحور حول الأمن والتأكد من عدم وجود خطر أمني من قبل الشخص على الاحتلال، أو وجود عناصر قادرة على تأجيج الأوضاع في المسجد، خلال شهر رمضان، بما يضمن تحويل إسرائيل إلى المرجع السيادي في موضوع دخول المسجد الأقصى.

وفي الوقت نفسه، عمدت سلطات الاحتلال إلى تحديد عدد المصلين في صلاة التراويح بما لا يزيد على 50 ألف مصلٍّ، و120 ألفًا في صلاة الجمعة، وهي أعداد ضئيلة جدًا في مثل هذا الموسم. ولذلك، فإن تصوير هذه الأعداد على أنها انتصار للشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال، أمرٌ يجانب الصواب، لأن الاحتلال مارس ضغوطًا هائلة لعدم تجاوز الأعداد لما يريد ويهدف إليه. ومن الواضح أن هذه الإجراءات المتنوعة هذا العام قد تمت بإشراف أميركي كامل؛ لضمان مرور الشهر بهدوء ظاهري.

إذا كان لهذه التطورات تداعيات في المستقبل القريب، فإنها ستكون أقرب مما يتصور الكثيرون. فإسرائيل تعتقد أنها نجحت نسبيًا في تجاوز عقبة شهر رمضان المبارك دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة في المنطقة، على الرغم من أن جميع العوامل المؤدية إلى هذه المواجهة لا تزال قائمة في المناخ الفلسطيني والإقليمي.

لذلك، ستسعى إسرائيل إلى استغلال هذا النجاح النسبي في أقرب وقت ممكن، خشية ضياع هذه الفرصة. وأولى الفرص المتاحة لليمين الحاكم اليوم في إسرائيل تتمثل في عيد الفصح العبري، والذي يبدأ في الثالث والعشرين من أبريل/نيسان الجاري ويستمر لمدة ثمانية أيام.

يعتبر هذا الموسم من أهم المواسم لاقتحامات المسجد الأقصى وتنفيذ أحد أهم الطقوس الدينية فيه، بل الطقس الديني الوحيد الذي لم تتمكن جماعات الصهيونية الدينية المتطرفة من تنفيذه حتى الآن في المسجد الأقصى، ألا وهو عملية ذبح القرابين الحيوانية داخل المسجد.

تختلف هذه العملية تمامًا عن موضوع البقرة الحمراء، الذي يعتبر طقسًا فريدًا يرتبط بالتطهر من نجاسة الموتى والسماح لليهود بدخول المسجد الأقصى، والذي يواجه حاليًا ضغوطًا داخلية وخارجية كبيرة؛ لمنع تنفيذه هذا العام في موعده المحدد دينيًا لدى هذه الجماعات.

إننا نتحدث هنا عن عملية سنوية لذبح قربان عيد الفصح العبري، فيما تعتبره هذه الجماعات "جبل المعبد"، حيث يفترض النص الديني لديهم ضرورة إدخال ماعز صغير على الأقل إلى هذا المكان المقدس، وذبحه؛ تقربًا إلى الله في عيد الفصح العبري من كل عام. وتفترض الرواية التوراتية أن كل من يستطيع تقديم القرابين في المعبد يجب عليه ذلك.

ولهذا، دأبت جماعات المعبد المتطرفة خلال السنوات العشر الماضية على محاولة إدخال قربان الفصح (ماعز صغير) إلى المسجد الأقصى خلال أيام عيد الفصح باستمرار، وحرصت هذا العام – كما في الأعوام الماضية – على تقديم طلب رسمي لشرطة الاحتلال؛ للسماح لها بتقديم قربان الفصح داخل المسجد، بل وصل بها الأمر – على مدار السنوات الخمس الماضية – إلى الإعلان عن جوائز تصل إلى عشرة آلاف شيكل (حوالي ثلاثة آلاف دولار) لمن ينجح في تهريب ماعز إلى داخل المسجد الأقصى وذبحه فيه، وذلك لتحريض أفرادها على محاولة إقامة هذا الطقس الديني بأي طريقة.

تهدف هذه الجماعات من هذا العمل برمته إلى تحقيق كافة الطقوس الدينية داخل المسجد الأقصى؛ بما يضمن أن تكون قد أقامت المعبد روحيًا من خلال إقامة جميع عباداته وطقوسه فعليًا، قبل أن تقدم على إقامته ماديًا في المستقبل القريب، حسب رؤيتها.

هذا الأمر يكاد لا يختلف عليه اثنان في اليمين الإسرائيلي اليوم، فبينما تحاول جماعات ما يسمى "إدارة جبل المعبد" التابعة لاتحاد منظمات المعبد، والتي نصبت نفسها "إدارة" للمسجد الأقصى، إقناع شرطة الاحتلال بضرورة السماح للمتدينين المتطرفين بالقيام بهذه العملية، نرى جماعة متطرفة معارضة لتلك الأولى في خطها العام، مثل منظمة "بيدينو"، التي يرأسها المتطرف تومي نيساني، تقيم مؤتمرًا حاشدًا؛ لدراسة كيفية تطبيق رؤيتها حول عيد الفصح العبري وإقامة طقوسه داخل المسجد الأقصى، بمشاركة شخصيات مهمة وأكاديمية، مثل الأكاديمي المتطرف "موردخاي كيدار" الأستاذ بجامعة بار إيلان، والذي خصص كلمته للحديث عن "العقبات الإسلامية" في وجه إقامة الطقوس الدينية للجماعات المتطرفة في المسجد الأقصى.

يدرك المتطرفون لدى الاحتلال أن المعركة لا بد أن تحسم في القدس، والجديد هذا العام أن هناك فئات أخرى وقوى دولية باتت تساند إسرائيل في هذه المعركة، وتحاول حسم الأمور لصالحها في القدس. وفي الحقيقة، فإن حسم الأمور لصالح إسرائيل في المسجد الأقصى يعد هدفًا استراتيجيًا وليس تكتيكيًا فحسب، لأنه لو تحقق كما تتمنى إسرائيل، فسيكون رسالة إلى الجانب الفلسطيني تحاول إقناعه بأن عملية "طوفان الأقصى" كانت معركة عبثية، وأن جميع مخرجاتها التي أرادتها فصائل المقاومة الفلسطينية كانت سرابًا.

فهل يعي الشعب الفلسطيني خطورة ذلك؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة